V.I.P
المشاركات : 14670 العمر : 28 تاريخ التسجيل : 01/07/2010
| موضوع: البعبع....... السبت يوليو 14, 2012 10:04 pm | |
|
ديمه الحاج يوسف - تلجأ بعض الأمهات إلى ترهيب أولادهم بكلمات لطيفة وأساليب سهلة مثلا "روح نام ولا بجبلك البعبع، أبو رجل مسلوخة، الشرطي يحبسك، الكلب بعضك، الطبيب يغزك ابره، أو الاحتلال بيجيلك!!"، أمهات ستنتج جيلا نراه في الشوارع ونستهجنه دون أن نسأل أنفسنا من الذي أنتجه بهذه الطريقة!
سيخرج جيل يخاف من خياله وحين يكبر سيحل مشكلاته بعضلاته ويعطل دماغه، ليعيش ضمن آراء الآخرين ومخططاتهم، سيكون صغير أبله يتعلق بتلابيب العبودية لاعتقاده بأنها الحرية الكامنة، سيعتاد على "بوس التوبة" وذلك بوضع السبابة على فمه دون أن يتفوه بحرف واحد كي يتسنى لذاك المعلم اخذ قيلولة بعد يوم مضن من التعب!
سيعتاد أن يصفق بقدميه أو يصفقون له الطلاب إن كان "غبي" حسب وجهة نظر المعلم، وسيضحك في السابعة من عمرة حين يضرب؛ لموت أحاسيسه وتبلد شعور الألم لديه فلم يعد شيء يعنيه ولم يعد شيء يخيفه، بل سيستفزك بمقولته "هذا كل اللي عندك ما وجعتني!!"، وسيركض حافيا؛ لينغرس في قدميه كل ما يصادفه في الشارع دون أن يتألم!.
سيعتاد على الصمت والانحناء والهرب، وسيصفعونه إذا بكى خوفا من سقوط رجولته، وعليه أن "يعلم على زميله بالمدرسة" إذا شتمه، وسيقوم والداه بإهدائه العاب تحفز العنف الكامن في داخله، ولن يتكلم معه احد حين يرونه مع أولاد الحارة يضربون كلب بالحجارة، أو يربطون طائر من عنقه للعب به كأنه لعبة محشوة بالقطن، وستنتظر العائلة بحرقة أفلام الحركة "الأكشن" في ليلة الخميس، وسيكبر وهو مترسخ لديه قناعة بأن "الناس لا يفهمون غير العنف".
لهذا سيكون اقصر الطرق وأسرعها للتفاهم بالنسبة له هي العنف، بل سيدعي الديمقراطية لأنه يخير ابنه بالطريقة التي سيضرب بها، بل أصبحت العائلات العربية تبتدع أساليب للعقاب، وبات الطفل يخشى أن يواجه والداه عما يحصل له في المدرسة من ضرب وشتائم أو في الشارع من اعتداء الأولاد عليه بشتى الطرق خوفا من الوقوف ضده.
ولهذا تعاني شعوبنا من أزمات نفسية حادة، لا يفرغها البكاء ولا الصراخ ولا التكلم لوحدك بصوت مرتفع - إن تجرأت- ، سيبقى شبح البعبع يعبث في عقلك حتى تهاجر مع الطيور، أو تصاب بالجنون، فنحن في أوطان لا ملجأ لها، لا عنوان لها، فنحن نحب الحياة ونكره أنفسنا، نريد الحياة فيأتي لنا الموت مسرعا، نحن شعوب لا يضمها أوطانها بل قبورها، دودها يأكل خيرها وزرعها ونحن نأكل دودها، لنعاني جرعات متتالية لا دفعة واحدة من الألم والغضب وسفح الكرامة، وسنموت كل يوم كي نحيا مرة واحدة بشكل لائق، وإذا حيينا سيموت بداخلنا كل ما هو جميل، ويتبقى آثار الصفعات والشتائم في العقل تدور، بعبع يبدأ من الوالدين وأولاد الحارة والمدير والمعلمين، والجار والزوج والأقرباء والمستشفيات والمحاكم والحمامات العامة والأماكن المرتفعة والمغلقة والمعتمة مرورا بالدين والشيوخ الذين يصفون لنا نهايتنا على أنها نار مستعرة لا رحمة فيها ويتناسون متعمدين الجنة ونعيمها... انتهاء بالحكومة والمخابرات.
بعبع يمتثل أمام المواطن كالفزاعة التي يضعها المزارعون في أراضهم لإرهاب الطيور لإبعادهم عن أرضهم، ولكن عن ماذا هؤلاء يبعدوننا؟ لماذا جميعهم يرهبوننا؟ اعتقد بأنهم يريدون أن نبتعد عن أنفسنا فنشعر بالعزلة والخوف وفقدان الهوية والقيمة ونصبح لا شيء، بسبب أسطورة البعبع تلك التي أصبحت حقيقة في عقل المواطن الذي يعترف ببعبه الأكبر الذي ورثه منذ سنين، وهو الفقر، اعتقد بأن بعبع الفقر الذي لا يلاحقه بل يعيش معه ولا يستطيع الفرار منه هو وحده الذي يحلم ذاك المواطن -ولا اعلم أين تحديدا -،بالهروب منه، ليفكر بعدها بالتحرر من الآخرين!. |
|
articulate
المشاركات : 104 العمر : 29 تاريخ التسجيل : 13/07/2012
| موضوع: رد: البعبع....... السبت يوليو 14, 2012 10:25 pm | |
| تـسلم ع المـجهود
تـوبيك راائـع بجد |
|