كانت فتاة شابة صغيرة .. أخت بين سبعة إخوة وأخوات ..
وحيدة وسط البشر .. لا تستطيع أن تفوز بمحبة أحدٍ من حولها .. حتى أقرب الناس إليها ..
بالرغم من أنها كانت تحب الجميع .. لكنها لا تستطيع أن توصل مشاعرها لمَنْ تحبهم ..
كانت تعيش في منزلها بين أخواتها وأمها وأبيها .. لم تكن تحتاج إلى أي شيء سوى الحنان والحب .. ولم تطلب الكثير .. فقط حبهم .. لكن للأسف .. باءت كل محاولاتها بالفشل .. فقد كانت تجهل الطريق لقلوبهم .. وكلما حاولت .. اصطدمت بالواقع .. وكثيرًا ما يئست من حياتها معهم .. لكن إيمانها بالله سبحانه تعالى كان هو ما يثبتها ويصبرها على ما هي فيه ..
وهلت أيام الشهر الفضيل .. والوضع كما هو .. لكنها كانت منشغلة عن كل ذلك بالتقرب إلى الله عز وجل .. تدعوه وتتقرب منه وتلتمس رضاه .. لكنها كانت تعلم أن رضا الأهل وخاصةً أمها من أهم ما يجب أن تحصل عليه ليرضى الله سبحانه عنها ..
وفي إحدى المرات .. كررت محاولة التقرب منهم .. وخاصةً من أمها .. لكنها لم تفهمها .. لم تشعر بها .. لم تستوعب ما بداخلها .. فصدتها .. أجل صدتها ..
الأم ليست قاسية .. لكنها لم تفهم .. ولم تستوعب ابنتها وتحتويها .. لم تفهم أن ذلك قد يؤذيها هي نفسها .. وقد يُفقدها ابنتها ..
رجعت الفتاة المسكينة غرفتها تبكي من داخلها .. تتألم من أعماقها .. وكان الوقت متأخرًا .. قبل الفجر بوقت بسيط .. أمسكت بالمصحف الشريف وبدأت تقرأ .. لكنها بداخلها مازالت تتألم .. ودقات قلبها تدعو ربها بأنها يرحمها مما هي فيه .. تشعر أن الله سبحانه راضٍ عنها .. لكنها لا تشعر بالراحة .. فهي تتمنى رضا أمها حتى تضمن رضا الله سبحانه ..
كانت تشعر بالخوف .. فهي في أيام مباركة .. يلتمس فيها الجميع رضا الله عز وجل .. وتتمنى أن تكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم .. ولكن كيف ؟! فهى مازالت تجهل الطريق ..
ارتفع آذان الفجر .. وارتفع دعاء قلبها لعنان السماء .. تدعو الله سبحانه أن يوفقها لما يحبه ويرضاه .. وأغلقت المصحف الشريف وقبلته .. ثم قامت لصلاة الفجر .. وارتفعت يدها بالدعاء ..
وفي اليوم التالي .. تفاجئت بصراخ أمها يزلزل أركان المنزل .. ركضت مسرعة نحو غرفتها .. لتجدها ملقاة على الأرض .. بلا حراك .. والفتاة المسكينة يكاد قلبها يتوقف من خوفها على أمها ..
كانت وحدها مع أمها في المنزل .. لا تعرف كيف تتصرف .. إلى أن هداها الله لأن تطرق باب جارتهم الطبيبية .. والتي أتت مسرعة لتسعف الأم .. وأمرت بالراحة التامة وأدوية كثيرة ..
وما كان من الفتاة المسكينة إلا أن تنفذ كل ما قالته الطبيبة .. وبلا أدنى تقصير .. بل وكانت وحدها تقوم بكل أعمال المنزل بدلاً من أمها .. فأخواتها جميعًا منهمكون في أعمالهم وهي وحدها التي لا تعمل ..
وفي الوقت نفسه .. كانت تواظب على الصلاة وقراءة القرآن .. ومازالت تدعو ..
ومرت الأيام .. والفتاة غارقة في كل ذلك .. حتى بدأت أمها تستفيق من مرضها شيئًا فشيئًا .. وبدأت تتحرك في المنزل قليلاً .. لتتفاجئ الأم بأن ابنتها لم تترك أي شيء إلا وقامت به ..
وبدأت تدعو لها .. تدعو لابنتها .. والفتاة تسمع ولا تصدق ..
إنها أمها .. تدعو لها .. في هذه الأيام المباركة ..
دخلت الفتاة غرفتها وجلست تقرأ القرآن .. ثم أخذت تصلي وتحمد الله وتدعوه سبحانه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار .. ظلت هكذا لساعات طويلة .. لم تشعر بطولها من كثرة الانهماك ..
إلى أن علا آذان الفجر .. شعرت بسعادة غامرة .. وقامت لتصلي .. ثم عادت لتدعو الله سبحانه من جديد .. حتى شروق الشمس .. وقامت لتصلي .. ثم اتجهت لفراشها .. لتنام .. منهكة من كثرة التعب ..
لكنها فجأة ابتسمت .. ابتسامة رائعة .. لا مثيل لها ..
وكانت الابتسامة الأخيرة ..
ورحلت عن الدنيا